يشهد سوق العقارات في دول مجلس التعاون الخليجي خلال عام 2025 زخمًا استثنائيًا، مسجلاً أرقامًا قياسية في حجم الصفقات وارتفاعًا لافتًا في الأسعار، خاصة في أسواق رئيسية مثل دبي والرياض. هذا الأداء القوي يطرح سؤالاً جوهريًا في أوساط المستثمرين والمحللين: هل نحن أمام نمو مستدام مدعوم بأساسات اقتصادية متينة، أم أننا على وشك مشاهدة فقاعة عقارية جديدة قد تنفجر في أي لحظة؟
أرقام قياسية وزخم لا يتوقف
الأرقام الصادرة عن النصف الأول من عام 2025 ترسم صورة لسوق عقاري محتدم. دبي، التي تقود المشهد، سجلت أداءً تاريخيًا. فقد ارتفع إجمالي قيمة الصفقات العقارية بنسبة forty.1% مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، ليصل إلى 328.eight مليار درهم. كما قفز متوسط أسعار العقارات السكنية بنسبة 8.four%، مع استحواذ العقارات على الخارطة على ما يقارب 60% من إجمالي المبيعات، مما يعكس ثقة المستثمرين القوية في المشاريع الجديدة.
في المملكة العربية السعودية، لا يقل المشهد إثارة. فقد بلغت قيمة الصفقات السكنية seventy seven.five مليار ريال في النصف الأول من العام، بزيادة 7% في عدد الصفقات على أساس سنوي. وتأتي هذه الطفرة مدفوعة ببرامج الدعم الحكومي، وزيادة نشاط التمويل العقاري، والأثر المباشر لمشاريع رؤية 2030 التي تعيد تشكيل المدن الكبرى كالرياض وجدة.
أسواق أخرى مثل قطر شهدت أيضًا نموًا كبيرًا، حيث ارتفعت قيمة التعاملات العقارية بنسبة 29.eight% في الربع الثاني من 2025، مما يؤكد أن موجة النمو تشمل المنطقة بأكملها.
محركات النمو: ما الذي يغذي هذه الطفرة؟
هذا الأداء القوي ليس وليد الصدفة، بل هو نتاج تضافر عدة عوامل أساسية:
السياسات الحكومية الداعمة: أسهمت مبادرات مثل "التأشيرة الذهبية" في الإمارات، وتسهيل تملك الأجانب للعقارات في السعودية، في جذب تدفقات استثمارية أجنبية ضخمة.
نمو السكان وتدفق المواهب: التحليلات أصبحت مدن الخليج الرئيسية وجهات عالمية للعيش والعمل، مما أدى إلى زيادة الطلب على الوحدات السكنية والتجارية.
التنويع الاقتصادي: الابتعاد عن الاعتماد على النفط عزز من استقرار اقتصادات المنطقة وجعلها أكثر جاذبية للمستثمرين الباحثين عن ملاذ آمن.
عوائد إيجارية مرتفعة: لا تزال العوائد على الاستثمار العقاري في مدن مثل دبي من بين الأعلى عالميًا، حيث تصل إلى 7.6% في المتوسط، متفوقة على أسواق مثل نيويورك ولندن.
هل تدق "الفقاعة" الأبواب؟ حجج الطرفين
على الرغم من الإيجابية السائدة، بدأت بعض الأصوات التحذيرية في الظهور، مشيرة إلى مؤشرات قد تنبئ بتشكل فقاعة عقارية.
أسباب القلق (حجة الفقاعة):
زيادة العرض: من المتوقع تسليم عدد ضخم من الوحدات السكنية الجديدة، خاصة في دبي، خلال الفترة المتبقية من 2025 و2026. تتوقع بعض التقارير، مثل تقرير وكالة فيتش، أن هذا العرض الكبير قد يفوق وتيرة نمو الطلب، مما سيؤدي حتمًا إلى تصحيح سعري معتدل في النصف الثاني من العام.
الارتفاع السريع للأسعار: وتيرة الزيادة في الأسعار، التي شهدت ارتفاعًا بنحو sixty% في بعض مناطق دبي منذ عام 2022، تثير قلقًا من أن التقييمات قد أصبحت مبالغًا فيها وغير مستدامة على المدى الطويل.
الاعتماد على المشترين الدوليين: يعتمد السوق بشكل كبير على الطلب الأجنبي، وأي تغير في الأوضاع الجيوسياسية أو الاقتصادية العالمية قد يؤثر على هذا التدفق.
أسباب التفاؤل (حجة النمو المستدام):
أساسيات طلب قوية: يرى المتفائلون أن الطلب ليس مضاربيًا كما كان في دورة 2008، بل هو طلب حقيقي مدفوع بالنمو السكاني والهجرة.
نضج السوق: أصبحت الأسواق العقارية الخليجية أكثر تنظيمًا وشفافية، مع وجود أطر تشريعية قوية تحمي المستثمرين وتقلل من المخاطر.
استمرار المشاريع الكبرى: لا تزال الحكومات تضخ استثمارات ضخمة في البنية التحتية والمشاريع العملاقة (مثل نيوم في السعودية وإكسبو سيتي في دبي)، مما يخلق قيمة مضافة مستمرة للعقارات.
التحول نحو المستخدم النهائي: هناك زيادة ملحوظة في نسبة المشترين الذين يسعون للسكن والاستقرار طويل الأمد، وليس فقط للمضاربة، مما يضيف طبقة من الاستقرار للسوق.
الخلاصة: تصحيح محتمل وليس انهيارًا
في الوقت الحالي، يبدو أن سوق العقارات الخليجي أقرب إلى مرحلة "إعادة التوازن" منه إلى فقاعة على وشك الانفجار. من المرجح أن نشهد تباطؤًا في وتيرة نمو الأسعار وتصحيحًا معتدلًا في بعض القطاعات التي شهدت ارتفاعات حادة، خاصة مع زيادة المعروض من الوحدات الجديدة.
ومع ذلك، فإن الأساسات الاقتصادية القوية، والطلب الديموغرافي الحقيقي، والدعم الحكومي المستمر، تجعل سيناريو الانهيار الشبيه بما حدث في 2008 مستبعدًا. السوق اليوم أكثر نضجًا ومرونة، والمرحلة القادمة ستكون على الأرجح مرحلة نمو أكثر استدامة وهدوءًا، مما قد يوفر فرصًا جديدة للمستثمرين على المدى الطويل.